الأنثروبيولوجيا هي مصطلح مركب من مقطعين باللغة اليونانية هما ( أنثروس )
و تعني إنسان و ( لوجيا ) و تعني علم و بهذا فهي تعني علم الإنسان أو
المعرفة المنظمة عن الإنسان , و هي تجمع في علم واحد الجوانب البيولوجية و
الاجتماعية و الثقافية للإنسان و ميدان الدراسة الأساسي لها هو الجماعات
أو المجتمعات التي تدعى بالبدائية و إن كان هذا الميدان اتسع في الفترة
الأخيرة بحيث أصبح يشمل دراسة المجتمعات العليا القديمة و بتأثير المدرسة
الثقافية الأميركية ازداد المجال اتساعاً ليشمل مجتمعات أوروبية الأصل
تعيش في ظروف تكنولوجية حديثة , و بالتالي أصبحت تدرس الأنماط الحضارية
ذات الطابع المعاصر و القديم و الأولي و المدني , كما تدرس المجتمعات
الحديثة في الريف و المدينة و تأثير الهجرات في التركيبات الحضارية
الثقافية المعاصرة . و من الناحية الاصطلاحية نجد تصورين أساسيين لهذا
العلم , التصور الأول هو التصور الأميركي الذي ينظر للأنثروبيولوجيا كعلم
يهتم بدراسة الإنسان من الناحيتين العضوية و الثقافية على حد سواء و
يستخدم الأميركيون مصطلح الأنثروبيولوجيا الجسمية أو الفيزيقية للإشارة
إلى دراسة الجانب العضوي التطوري الحيوي للإنسان , بينما يستخدمون مصطلح
الأنثروبيولوجيا الثقافية لمجموع التخصصات التي تدرس النواحي الثقافية و
الاجتماعية لحياة الإنسان يدخل في ذلك الدراسات المتعلقة بالإنسان القديم
( الأركولوجيا ) , كما تتناول الأنثروبيولوجيا الثقافية دراسة لغات الشعوب
الأولية و اللهجات المحلية و التأثيرات المتبادلة بين اللغة و الثقافة
بصفة عامة و ذلك في إطار ما يعرف بعلم اللغة .
أما التصور الأوروبي
للإنثروبولوجيا فهو مختلف بين بلد و آخر , فقد كان يقصد بالأنثروبيولوجيا
حتى عهد( كانت ) دراسة التاريخ الطبيعي للإنسان حيث اتسعت في أوروبا
موضوعات الأنثروبيولوجيا بهذا المعنى و تنوعت لتشمل الدراسات المقارنة بين
الإنسان و الحيوان و بين السلالات البشرية بل و حتى الدراسة المقارنة بين
الذكور و الإناث و صلة ذلك بالأدوار الاجتماعية .و قد اصطلح الفرنسيون على
الأنثروبيولوجيا الاجتماعية بالأثنولوجيا و الأثنوغرافية و هم يدرسونها
تحت مظلة علم الاجتماع , أما الإنكليز فأسموها بالأنثروبيولوجيا
الاجتماعية و تعاملوا معها كعلم قائم بذاته لا يدرج تحته أي من
الأركولوجيا أو علم اللغويات و هذا ما ساعدهم على وضع نماذج نظرية تشرح
أبنية المجتمعات و تفسّر الآليات و الوظائف التي تساعد على استمرارية
الحياة الاجتماعية و تماسكها , و بهذا خرج إلى الوجود ما يشار إليه مثلاً
بأنثروبيولوجيا القرابة أو الدين أو الاقتصاد أو النظم السياسية و غير ذلك
مما يسير ضمن إطار الانثروبيولوجيا الاجتماعية . و هكذا فالانثروبيولوجيا
الاجتماعية في إنكلترا و إلى حد ما في أميركا استعملت للدلالة على فرع
معين من الأنثروبيولوجيا التي تعنى بدراسة الإنسان ثقافياً و اجتماعياً ,
أما في أوروبا فالقاموس اللفظي مختلف , فعندما يتحدث الأوروبيون عن
الأنثروبيولوجيا فهم يذهبون إلى ما يسميه الإنكليز الأنثروبيولوجيا
الفيزيقية الحيوية أما ما يسميه الإنكليز بالأنثروبيولوجيا الاجتماعية
يسمى في أوروبا بالأثنولوجيا أو بالاجتماعيات . و بشكل علم يمكن تقسيم
الأنثروبيولوجيا إلى فرعين رئيسيين يتشعب عنهما مجموعة كبيرة من الفروع
الأخرى , الفرع الأول هو الأنثروبيولوجيا الحيوية أو الفيزيقية أو
الطبيعية , و هي فرع قديم ظهر في أواخر القرن الثامن عشر تحت تأثير
الأفكار الداروينية و هو يهتم بدراسة الإنسان من حيث سماته الجسمية و
التشريحية كشكل الجمجمة و طول القامة , كما يدرس الإنسان في نشأته الأولى
و في تطوره عن الرئيسيات و في كيفية اكتسابه السمات و الخصائص السلالية
التي تميزه عن غيره من الأجناس و الأنواع الحيوانية . أما الفرع الثاني
فهو الأنثروبيولوجيا الثقافية ( بشقيها الاجتماعي و الثقافي ) وهي تهتم
بدراسة منتجات الإنسان الثقافية على اعتبار أنه نوع يتميز عن بقية الأنواع
الحيوانية بالثقافة و هذا الفرع تندرج تحته مجموعة من المباحث الأساسية هي
علم اللغويات الأنثروبولوجية التي تقوم بدراسة اللغات و تاريخها دراسة
بحثية وصفية بغية تحديد أصول اللغات الإنسانية بالإضافة للأنثروبيولوجيا
الاجتماعية التي تنقسم بدورها إلى عدة فروع سياسية و قانونية و اقتصادية و
دينية … الخ , ثم هناك علم الآثار و ما قبل التاريخ الذي يحاول دراسة
أسلوب تطور تفكير الإنسان القديم من خلال مخلفاته الأثرية المختلفة و طرق
تطويرها . ومن هذا التيار يمكننا الحديث عن تياران أساسيان هما
الأنثروبيولوجيا الاجتماعية و الأنثروبيولوجيا الثقافية , الأولى تهتم
بدراسة المجتمعات البسيطة الصغيرة التي يمكن فيها فهم دراسة العلاقة بين
النظم الاجتماعية جميعاً , و لذلك بدأ هذا الفرع بدراسة المجتمعات الأولية
صغيرة الحجم ذات النسيج الاجتماعي المحدود و المتكامل , و الذي يمتاز
ببساطة الفنون و الآلية الاقتصادية و قلة التخصص في الوظائف الاجتماعية ,
وهذا الاتجاه ساد في إنكلترا بشكل خاص . أما الأنثروبيولوجيا الثقافية فهي
بشكل خاص تهتم بالسلوك التقليدي للبشر في السياق الاجتماعي حيث تدرس أنساق
الحكم و السلوك لدى الجماعات بدءً من المجتمعات الأولية ذات التكنولوجيا
البسيطة وصولاً إلى المجتمعات الأكثر تنظيماً , و على ذلك إذا كانت
الانثروبيولوجيا الاجتماعية قد نظرت للإنسان الشامل من خلال نتاجاته فإن
نظيرتها الثقافية نظرت للإنسان انطلاقاً من تصوراته و إذا كانت
الأنثروبيولوجيا الاجتماعية تركز على العنصر البشري كالعلاقات الشخصية و
العلاقات القائمة بين البشر داخل الجماعات فإن نظيرتها الثقافية تركز على
الإنجاز الخلاّق و الأهداف و الأفكار التي يتم توضيحها و نقلها من جيل
لآخر .و هذا الفرع من الانثروبيولوجيا نجده قد ساد في الولايات المتحدة
الأميركية . أما من الناحية المنهجية فإن الأنثروبيولوجيا تقسم إلى فرعين
أساسين هما الأثنوغرافية و الأثنولوجيا : و كلمة أثنوغرافية تعود إلى
المؤرخ الألماني (ب . ج . نيبور ) عام 1810 و هي تعني الدراسة الوصفية
لأسلوب الحياة و مجموعة التقاليد و العادات و القيم و الأدوات و الفنون و
المأثورات الشعبية لدى جماعة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة , أما
الأثنولوجيا و هي كلمة ظهرت سنة 1787 على يد عالم الأخلاق (دوشوفان ) فهي
تهتم بالدراسة التحليلية و المقارنة للمادة الأثنوغرافية بهدف الوصول إلى
تصورات نظرية و تعميمات بصدد مختلف النظم الاجتماعية الإنسانية و بهذا
تكون الأثنولوجيا هي نظرية الأثنوغرافية , فإذا كانت الأثنوغرافية
كالتاريخ تعتمد على الاستقصاء و صياغة المواد , فإن الأثنولوجيا كعلم
الاجتماع تحلل و تبرز النماذج المقامة على أساس الوثائق الأثنوغرافية
هادفة القيام بتركيب ثلاثي , الأول بيئي يقارن مكانياً بين الجماعات
السكانية المتجاورة , و الثاني تاريخي زماني يضع الحوادث الرئيسية الخاصة
بجماعة معينة في ديمومة الزمان , و الثالث منهجي يتوصل من خلاله إلى تفسير
نمط من التقنيات و المؤسسات أو المواقف المتعلقة بجماعة ما , و
الأنثروبيولوجيا وفقاً لذلك هي العلم الذي يقود إلى درجة أعلى من التعميم
لأنها تطمح إلى تحقيق المعرفة الشاملة عن الإنسان منذ بداياته حتى الوقت
الحالي , و هكذا تغدو علاقة الأثنوغرافية بالأثنولوجيا هي نفس العلاقة بين
الأثنولوجيا و الأنثروبيولوجيا حيث ترتبط الأولى بالطابع الميداني
التحليلي و الثانية بالطابع النظري التوثيقي التركيبي و الثالثة أعم تشمل
الاثنين معاً لتقدم نظرة شاملة و عمومية , بحيث لا يمكننا اليوم التحدث عن
بحث أنثروبيولوجي بالمعنى الأكاديمي دون أن يكون قد مر بتلك المراحل
الثلاث .
** إبراهيــــــــــــــــــــم الساعدي
كاتبٌ وباحثٌ عراقي